الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
قد يقول جاهل متشائم بلسان الحال: لقد قلّبت المصحف ورقة، وبعد ورقة، فلم أجد فيه وصفاً لسبيل خروج الأمة من واقعها أو انتصارها على عدوها، لم يذكر القرآن أمريكا، ولم يبين آلية التعامل مع الأمم المتحدة، ولا ولا...
أقول هذا لأني تأملت حال بعض المتشائمين فرأيتهم يتساءل متسائلهم بلسان الحال أو المقال، فيقول: كيف يخرج بنا الوحي من مأزقنا وما هي الطريق؟
يريد منك أن تضع خطوات شبيهة بخطوات حل المعادلة الرياضية، فتقول: الخطوة الأولى كذا، والثانية هكذا، والثالثة كيت، والرابعة كيت وكيت، ثم الخامسة، فالسادسة، وبعدها تجد الواقع قد تغير،والحال قد تبدل.
كأنه يتوقع منك أن ترسم طلاسم، ثم تهمهم بما لا يفهم، ثم تقوم باسطاً ذراعيك مسفراً عن المعادلات الموهومة، وإلاّ... بسط اليأس ذراعيه في صدره!
وتلك لعمرو الله نظرة ساذجة في ظل واقع مليء بالمتغيرات والمتباينات والمجاهيل، لا يستطيع أحد من البشر أن يضع له خطوات تحكمه، وإن وضعها سفهاً فلن يستطيع حمل الناس عليها، بل ربما ما استطاع حمل نفسه عليها.
إن هذا الواقع المتداخل المتشابك المعقد لا يملك حله إلاّ رب البشر.
{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:14]!
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:17]؟
إن المسلم يستطيع أن يرى بجلاء ويستدل بحجة بالغة على فاعلية ذلك المنهج الرباني بأمور من أظهرها ثلاثة:
- الأول: مقارنة الأحكام والتشريعات السماوية الإلهية بالأحكام والتشريعات البشرية الأرضية، الشرقية أو الغربية، وقد صنف علماء الإسلام ومفكروه في ذلك المؤلفات التي تدفع الشبه، وتبين الفرق الواسع بين الهدى الراسخ المنزل والدساتير المتغيرة المحدثة، سواء أكانت شرقية اشتراكية، أو غربية رأسمالية.
- والثاني: مقارنة واقع من طبق الوحي الإلهي واستقام عليه حق الاستقامة؛ كحال الصدر الأول من هذه الأمة، مع واقع من أعرض فضرب عن الذِّكرَ صفحاً وذهل عنه؛ كحال جُلِّ دويلات الإسلام التي تناثرت في عجز الزمان.
- والثالث: مقارنة حال من أخذ به مع حاله قبل الأخذ به، والتاريخ شاهد على حال العرب في الجاهلية مقيد لما صاروا إليه بُعيد الإسلام.
ثم إن بإمكان كل مسلم أن يقف ويتأمل حال المجتمعات المسلمة إن استقامت على شرائع الإسلام وشعائره وأحكامه، فتوهم يا أخا الإسلام مجتمعاً فصلت فيه الحقوق، وحفظت فيه الحدود، وقام فيه الناس بالواجبات العينية والفرائض الكفائية، وساد فيه الصدق والإخلاص.
وشاعت فيه مظاهر الأخوة بين الناس... أو باختصار تصور مجتمعاً كان منهجه القرآن؟ أو يتخلف مثل هذا المجتمع أو يتقهقر؟ إذا قلت: لا والله، فقد أصبت، ووفقت لموافقة ما جاءت به النصوص الواعدة بذلك إن حقق الناس شرطها:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف:96]...{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن:16]... {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]... وغيرها مما تعلم.
ولكن هل تعلم أن من يعيق تحقيق الشرط هو أنت!
نعم أنت.. فأنت اللبنة الأساسية، التي متى استقامت استقامت أسرتها، ثم عشيرتها، ثم شعبها، ثم أمتها.
فهلا رجعت إلى أحسن الحديث كلام ربك تدبراً وفهماً، ثم تمسكاً والتزاماً؟
ولتوقن -أخي الكريم- بأن هذه هي الخطوة الأولى والأخيرة في طريق تغيير واقع الأمة والخروج بها من مآزقها.
أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
[المصدر: موقع المسلم، أ.د ناصر العمر]